المصادر الدينية اليهودية

المصادر الدينية اليهودية:

شاع بين الناس أن الكتاب المقدس للمسلمين هو القرآن، وللمسيحين هو الإنجيل، ولليهود هو التوراة، لكن كلمة التوراة لوحدها تغيّر مدلولها مع تقادم الزمن في الشريعة اليهودية. فالكتاب المقدس الذي يؤمن به المسيحيون الآن ينقسم لقسمين: العهد القديم: التوراة وتوابعها، والعهد الجديد: الإنجيل وتوابعه. أما اليهود فيؤمنون بالتوراة وتوابعها ولا يؤمنون بالعهد الجديد، لأنهم لا يعتبرون عيسى رسولا، لذلك لا يؤمنون بكتابه. فاليهود الآن يعتمدون في عقيدتهم وشريعتهم وأفكارهم، حتى في قراءة التاريخ اليهودي، على مصدرين أساسيين هما: العهد القديم، والتلمود.

1- العهد القديم: "الكتاب المقدس"

يحتوي على جميع كتب اليهود الـ 39 وهي التناخ، وينقسم التناخ لثلاثة أقسام؛ من أصل ثلاثة حروف "ت،ن،خ؛ ويرمز كل حرف لاسم مجموعة من الكتب، التي تمثل الكتاب المقدس اليهودي.

- ت= التوراة (توراة): قسم الشريعة. 5 كتب

- ن= الأنبياء: (نيفيئيم): قسم الأنبياء. 21 كتاب

- خ= الكتابات (ختوفيم/ كتوفيم): قسم الأدبيات. 13 كتاب

التوراة:

كلمة التوراة تعني التعليم، وتضم أسفار "كتب" موسى الخمسة حسب الرواية اليهودية، والتي نزلت على موسى بوحي من الله، فحين واعد اللهُ موسى أربعين ليلة؛ لمناجاة ربِّه، وإنزال التوراة عليه، واعَده أولا ثلاثين ليلة، ثم أتمَّها الله بعشر، وذلك لحكمة يعلمها الله. فقال الله في سورة البقرة: "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ"، وفي سورة الأعراف: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". وهذا حسب الرواية الإسلامية، فالتوراة بالنسبة للمسلمين، هي ما نزلت على سيدنا موسى بوحي من الله، لكنها تعرّضت للتحريف، والتبديل، والإضافة خلال السنوات، وهذا بإجماع العلماء المسلمين، وغير المسلمين، فقال الله في سورة المائدة: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ".

في سورة الأنعام: "قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ"، قراطيس؛ أي ما يكتب عليه. وفي سورة آل عمران: "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"، وهذا ما يُصدّقه أقوال علماء اليهود على مر الزمان حتى يومنا هذا، فهم يعلمون أن ما يقولونه ليس من عند الله، بل افتراء. ففي سورة البقرة: "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ"، في سورة البقرة: "أفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ".

فالتوراة الموجودة حاليا تم الإضافة عليها من أقوال أنبيائهم، وحاخاماتهم. فقسّموها لـ 39 جزءا، 5 أسفار تُسمى بالتورة التي نزلت على موسى التي تسمى بـ "الوصايا العشر"، و21 كتابا من الأنبياء، و 13 كتابا من كتابات العلماء اليهود. وجميع هذا يُسمى بـ"الكتاب المقدس".

الأسفار الـ 5

- سفر التكوين "براشيت"؛ من نشأة الخلق من قصة آدم وحواء، ونسلهما، وقصة نوح والطوفان، وإبراهيم، وابنه إسحاق، وابنه يعقوب، وعيسو، حتى قصة يوسف.

- سفر الخروج "شموت"؛ فيه قصة موسى من ولادته وبعثته، وفرعون، وخروج بني إسرائيل من مصر، وصعود موسى الجبل، واستلامه الألواح "التوراة" من الله، والعماليق، والتيه في سيناء.

- سفر اللاويين؛ وهم الأحبار، وفيه حكم القربان والطهارة وما يجوز أكله، وغير ذلك من الفرائض والحدود.

- سفر العدد؛ فى الشرائع، وفى أخبار موسى، وبنى إسرائيل فى التيه، وقصة البقرة.

- سفر التثني؛ فيه إعادة الناموس "الضمير".

الأنبياء:

ويشمل هذا القسم على تحذيرات وتهديدات تحوم حول عاقبة بني إسرائيل، ويضم هذا القسم 21 سفرا، وهي:

- الأنبياء الأوائل: يشوع، قضاة، صموئيل أول، صموئيل ثاني، ملوك أول، ملوك ثاني.

- الأنبياء المتأخرون؛ إشعيا، إرميا، حزقيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبيد، يونان، ميخا، ناحوم، حَبَقّوق، صفنيا، حجّاي، زكريا، ملاخي.

الكتابات:

وهي ما كتبها الحاخامات "العلماء" اليهود، الذين يعتقدون أنهم يوحى إليهم من الله، ويضم هذا القسم 13 كتابا، وهي: مزامير، أيوب، أمثال، راعوث، نشيد الأنشاد، جامعة، مراثي، أستير، دانيال، عزرا، نحميا، أخبار الأيام أول، أخبار الأيام ثاني.

2- التملود:

وهو ما أضافه اليهود بعد الأسفار الخمسة لموسى، وهو مجموعة القوانين أو الشريعة الفقهية الشفهية التي كان يتناقلها الحاخامات الفريسيون "المتشددون" من اليهود سرّا جيلا بعد جيل، ولخوفهم عليها من الضياع دوّنوها، وكان تدوينها في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وأُطلق عليها اسم "المشناه"؛ بمعنى المعرفة أو الشريعة المكررة وهو المتن، ثم شُرح هذا المتن فيما بعد، وسُمي الشرح "جمارا"؛ بمعنى الإكمال، وأُلِّفت هذه الشروح في فترة طويلة، امتدت من القرن 2 بعد الميلاد إلى أواخر القرن 6 بعد الميلاد أي ما يقارب أكثر من 400 سنة في تأليف التلمود. وقام بهذه الشروحات حاخامات بابل وأشهرهم الكاتب عزرا "عُزير"، وسُمّي تلمود بابل، وما كان عليه شروح حاخامات فلسطين، سُمِّي تلمود فلسطين. ومع أن هناك كثير من الفِرق اليهودية تُنكِر التلمود، لأنه من كتابة البشر، إلا أن الأغلبية الآن تؤمن به، بل وتقدّسه أكثر من التوراة.

فكما نرى أن كلمة التوراة مدلولها الأول شريعة موسى، ثم اتسعت مع الزمن حتى صارت تشمل أسفارا أخرى لأنبياء بني إسرائيل، وأسفارا تاريخية تتعلق بتاريخهم، وأسفارا أدبية شعرية. وقد جُمعت جميعها تحت مسمى الكتاب المقدس، وهذا مختلف عن التلمود. إلا أنهم يؤمنون بالاثنين، بل إن بعضهم يقدّس التلمود أكثر من الكتاب المقدس.

فالعقيدة اليهودية عقيدة تراكمية؛ أي قد صاغها اليهود عبر العهود والأزمنة حتى يومنا هذا، فشارك ومازال يشارك في تشكُّلِها أُمم بأكملها، فهم يؤمنون بأن الوحي مازال يتنزّل على بعض العُلماء اليهود، لذلك عملية التأليف مستمرة، فهي ليست مثل العقيدة الإسلامية، فالقرآن وكثير من الأحاديث النبوية، التي وصلتنا بالتواتر؛ أي دون تحريف، ودون إضافة كما نزلت من الله، نقرأها، فلم تتشكل عبر الزمن، فهي غير تراكمية، بل تواترية.

حسب الرواية اليهودية، كان اليهود بعد السبي البابلي يعيشون في بابل ويحكمهم الفرس، ثم سُمح لهم بالرجوع لأورشليم "بيت المقدس"، فخرج الكاهن والكاتب عزرا "عُزير" مع مجموعة من بني إسرائيل إلى بيت المقدس، حيث أعاد عزرا تشكيل المجتمع اليهودي الذي كان قد تشتت، وفعل ذلك على أساس التوراة مع التركيز على شريعة الرب، بعد أن كانت معرفة التوراة بين بني إسرائيل قد ضعُفت. ومن النظرة الربانية حسب أقوالهم، كان عزرا على قدم المساواة مع سيدنا موسى ﷺ من حيث مُلاءمته كوسيلة لنقل التوراة، وذُكر ذلك في كتاب عزرا 10:7 "لأَنَّ عِزرَا أَخْلَصَ نِيَّتَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَمُمَارَسَتِهَا، وَتَعْلِيمِ الشَّعْبِ فَرَائِضَهَا وَأَحْكَامَهَا ووصل ببعض اليهود بأن يقدسوا العزير عزرا"، واعتقدوا أنه ابن الله، كما قال الله في سورة التوبة: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ"، أي أنهم هم من ادعوا ذلك بأفواههم، ومازال هناك طائفة منهم تؤمن بذلك. إلا أنه حسب الرواية الإسلامية، هو مجرد رجل صالح، لم تثبت نبوّته.

مواضيع ذات صلة