بيت المقدس في أحاديث الرسول محمد عليه الصلاة والسلام
عقيدة


بيت المقدس في أحاديث الرسول محمد ﷺ
الحديث الأول:
قال عليه صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم وفي رواية "لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ" إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال:"ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
في هذا الحديث وضّح رسول الله صفات الطائفة المنتصرة:
- فمع بداية الحديث حين قال رسول الله: لا تزال طائفة من أمتي، (لا تزال) أي كانت موجودة ولن تزال كذلك حتى يأتي أمر الله. وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: وهم بالشام. لا ينفي وجودهم في مكان آخر، وهذه الطائفة المنصورة لا يلزم أن تكون مجتمعة في مكان واحد، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض كما ذكر النووي في شرح مسلم، ولكن حددها الرسول ببيت المقدس وأكنافه. وأما تخصيص أهل الشام بذلك، فالأرجح لأن واقع المسلمين في فلسطين وبلاد الشام من المحن والفتن التي لم تحصل لغيرهم، فقتال المغول الوثنيين، وهجمات الصليبيين، وجهاد المسلمين لليهود الذي لا يزال مستمراً، ثم في المستقبل قتال الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وما يجري عليهم اليوم.
- وحينما قال رسول الله "ظاهرين": أي هذه الطائفة معروفة المنهج، واضحة الاتجاه، لها علماؤها البارزون المعروفون، ولها مناهجها ووسائلها المعروفة، حتى أطفالهم يظهرون بقوة أمام الجميع.
- وهم لعدوهم قاهرين؛ أي أن جهادهم مستمر في قهر أعداء الدين وبشتى أنواعه أي ليس فقط عسكريا، بل بكل الوسائل المتعددة المتنوعة الممكنة، حتى يأتي أمر الله، وهو يوم القيامة.
- أما قوله: فمن خالفهم أي من الكفار، ومن خذلهم أي من الأصدقاء، وهم ثابتون على الحق، أمام جميع المصائب والمحن، مهما تنوعت أشكالها، فهم ثابتون صابرون مرابطون، ولا يُؤثّر في نفوسهم خذلان الناس، والمنافقين، ولا الأعداء، ولا الضعفاء، ولا يخافون إلاَّ الله، فهم لا يقاتلون من أجل القومية، ولا من أجل مصالح شخصية، فهذه الأمور تؤدي إلى الذلة، بل يقاتلون من أجل الله فقط، فقال الله في سورة المائدة: "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ"، حتى لو أصابهم اللأواء، أي ضيقة العيش والكرب، فيبقون ثابتون راسخون كالجبال حتى تقوم الساعة.
والإمام البخاري سمى هذه الطائفة بأهل العلم، بالاستناد إلى قول معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين، وَإنَّمَا أنَا قَاسِمٌ واللهُ َيُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يأْتِيَ أَمْرُ اللهِ" ومن كمال الفقه في الدين، هو الإيمان مع العمل، فقال الله في سورة الرعد: "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ". وأنهم يقومون بأمر الله، ويعني القيام على أصل الدين وأركانه، وهذا لا يكون إلاَّ في بعض الأمة وليس جميعها.
الحديث الثاني:
عن النَّبيِّ ﷺ أنَّهُ قامَ يَومًا مِن الأيامِ في النَّاسِ فقال: "أيُّها النَّاسُ توشِكوا أن تكونوا أجنادًا مُجنَّدةً جُندًا بالشَّامِ وجُندًا بالعراقِ وجُندًا باليمنِ، فقال ابنُ حَوالةَ يا رسولَ اللهِ إن أدركَني ذلكَ الزَّمانُ فاخترْ لي "فقال إنِّي اخترتُ لكَ الشَّامَ فإنَّهُ خيرةُ المسلمينَ وصفوتُهُ مِن بلادِهِ يجتَبي إليها صفوتَهُ مِن خَلقِهِ فمَن أتَى فليلحَقْ بيمنِهِ وليستَقِ مِن غُدُرِهِ فإنَّ اللهَ تعالى قد تكفَّلَ لي بالشَّامِ وأهلِهِ". وما تكفّل الله بحفظه فلن يَضيع أبدا.
الحديث الثالث:
قال رسول الله: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة." والرسول عندما تحدث مسبقا عن العصابة، وهي أول مجموعة في الإسلام فدعى الله "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"، ثم في الحديث تحدث عن العصابة الثانية وهي الآن في بيت المقدس وأكنافه.
والعصابة أي أنهم مجتمعين على منهج واحد، وهو الحق. وصدق رسول الله حينما قال: "إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها"، فاللهم اجعنا من محيين الدين الإسلامي.
الحديث الرابع:
"أنَّ سلمةَ بنَ نُفَيلٍ الحضرميَّ أتَى النبيَّ ﷺ فقال إنِّي سمَّيت الخيلَ وألقيت السلاحَ وقلت لا قتالَ، فقال النبيُّ ﷺ "الآنَ جَاءَ القِتَالُ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَرْفَعُ اللَّه قُلُوبَ أَقْوَامٍ، فِيقَاتِلُونَهُمْ، وَيَرْزُقُهُمُ اللَّه مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ المُؤْمِنِينَ الشَّامُ، وَالخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
الحديث الخامس:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال"المسجد الأقصى" قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فَصَلِّ، والأرض لك مسجد".
مُرجّح أن من بنى المسجد الأقصى هو سيدنا إبراهيم، وسيدنا سليمان أعاد إعماره، والبعض قال أن سيدنا آدم، هو من وضع الأساس، لأنه هو من أُوكلت له مهمة إعمار الأرض، فهذا يدل على أن سيدنا آدم هو من وضع الأساس للمسجد، وبعدها جاء سيدنا إبراهيم وبنى المسجد، والله أعلم.
الحديث السادس:
وقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: هناك الزلازل والفتن وبها أو قال منها يخرج قرن الشيطان."
الحديث السابع:
قال رسول الله ﷺ: "إذا فسدَ أَهْلُ الشَّامِ فلا خيرَ فيكم، لا تَزالُ طائفةٌ من أمَّتي منصورينَ لا يضرُّهم من خذلَهُم حتَّى تقومَ السَّاعةُ"، أي فسدوا في دينهم، إلا أن الرسول أخبرنا بأنه ستبقى هناك طائفة، ولم يقل جمع كبير، بل طائفة، أي عدد محصور، لكنهم صالحون، منصورون، لا يضرهم الجمع الفاسد.
الحديث الثامن:
حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ فقلنا: أيهما أفضل: مسجد رسول الله أو مسجد بيت المقدس؟ فقال: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا" - أو قال: "خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". "شطن فرسه": أي حبل فرسه، والمقصود ولو جزء صغير من الأرض تطل أو تشرف على بيت المقدس، خير له من الدنيا وما فيها، وهذا يصف حالنا.
الحديث التاسع:
روى الإمام أحمد من حديث ميمونة خادمة النبي ﷺ قالت: أَفْتِنا في بَيتِ المَقْدِسِ، قال: "أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصلُّوا فيهِ؛ فإنَّ صَلاةً فيهِ كَأَلْفِ صَلاةٍ في غَيْرِهِ" قُلْتُ: أرأيْتَ إنْ لمْ أَسْتَطِعْ أنْ أَتَحَمَّلَ إليهِ؟ قال: "فَتُهْدِي لهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فيهِ ، فمَنْ فعلَ ذلكَ فهوَ كَمَنْ أَتَاهُ".
فرسول الله ﷺ رغم أنه كان يتحدث مع خادمته، أي ليس محاربا، ومع ذلك لم يطلب منها الاكتفاء بالدعاء فقط، كما يقول كثير من ضعفاء النفوس، نحن لا نستطيع المساعدة، لكننا ندعوا لهم، دون أي فعل واقعي، فالرسول الكريم قال لها ابعثوا بزيت للمسجد الأقصى، رغم أن بلاد الشام هم أهل الزيت، فلماذا لم يقُل لها ابعثوا بتمر، أو ماء زمزم؟ لماذا قال زيتا؟! فالزيت هنا مقصد رمزي؛ أي حتى لو كنت تعتقد أن ما ستقدمه لبيت المقدس، وأهل بيت المقدس لن يُقدّم لهم الكثير، إلا أنه عليك أن تساهم في حماية بيت المقدس.
بقلم:
د. نذير الصالحي
أ. لبنى معوض