مكانة فلسطين في القرآن الكريم ومتعلقاته
عقيدة


مكانة فلسطين في القرآن الكريم ومتعلقاته
قضية المسجد الأقصى ليست قضية اعتقادية، مثل العروبة أو القومية، بل هي عقائدية، فما يحفظها هو العقيدة الإسلامية. لذلك الدفاع عن هذه الأرض وحمايتها عقائدي، فلا يحتاج منا أن نكون فلسطينيين القومية، حتى نفديها بدمائنا، بل يكفي أن نكون فلسطينيين العقيدة.
تم ذكر البيت المقدس في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وكلما زاد ذكر الأمر في القرآن ذادت أهميته، وسنتطرق لهذا الذكر ضمن عناوين مفصّل:
التعظيم
"أي رفعة المكانة"
أين ورد التعظيم لبيت المقدس في القرآن:
- قال الله في سورة التين: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ"، قسم الله بأربع أشياء.
إنّ القسم بغير الله حرام شرعًا، كقولك ورأس أمي، وبحياة أولادي، لأن هذا القسم فيه تعظيم، ولا يجوز للمؤمن أن يعظم شي أكثر من الله. لكنّ الله عندما يقسم بشيءً ما، فهناك دلالتان: أولا؛ من باب التعظيم ورفع مكانته، وثانيا؛ من باب لفت الانتباه.
فالله يريد أن يلفت الانتباه إلى التين، والزيتون وطور سنين "سيناء" والبلد الأمين "مكة"، فلماذا الله يعطف القسم بالثمار على القسم بالأماكن؟ فهذا لا يجوز في اللغة، فلابد من قلب الثمار إلى أماكن وجود هذه الثمار، أو العكس قلب الأماكن إلى الثمار، وهذا غير منطقي، لأن سيناء ومكة أماكن لا تنبت فيها الثمار، لذلك لابد من قلب الثمار نسبة لأماكن تواجدها، فالتين في الشام، والزيتون في القدس، وهذه الدلالات أعمق من التصريح الواضح، فلها واقع أقوى وأعمق في النفس. و قسم الله بطور سينين "صحراء سيناء" لأن الله كلّم بها موسى، وقسم بالبلد الأمين، إكرامًا لدعوة محمد ﷺ، أما الشام وخصوصًا "بيت المقدس" فهي أرض المحشر والمنشر، فهناك مبتدأ العالم وخاتمته.
- قال الله في سورة الطور: "وَالطُّورِ*وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ" الطور: جبل من جبال القدس، حيث كلّم الله موسى، وأنزل الله الكتاب المسطور "التوراة"، لكن بني إسرائيل رفضوا التوراة وكذبوا موسى ﷺ.
التقديس
التطهير والتنزيه
قال الله في سورة المائدة: "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ".
بيت المقدس "مُطهَّرة، ومُطهِّرة"، أي أن أهل الرجس والنجاسة لا يستقرون في بيت المقدس، دائمًا يرسل الله لهم عباد صالحين يستعيدون البيت المقدس منهم، ويشترط فيهم: (الإيمان والتوحيد، والجهاد في سبيل الله)، إذا تخلوا عن ذلك فلا تحرير، وفي اللحظة التي يتخلى عنها أهل التوحيد يحتلها المفسدون، لكن لا يستقر فيها إلا الصالحون.
في الحديث الشريف: قال رسول الله ﷺ: "إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه خلالا ثلاثا، فأعطاه اثنتين، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة؛ سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد - يعني بيت المقدس - خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه" . قال النبي ﷺ: "ونحن نرجو أن يكون الله قد أعطاه ذلك".
البركة
الزيادة والنماء الحسية أو المعنوية
وذكرت البركة للبيت المقدس في خمس مواضع في القرآن الكريم:
- في سورة الأنبياء: "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" الأرض: أرض كنعان، فلسطين.
- في سورة الانبياء: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ". الأرض: فلسطين.
- في سورة الأعراف: "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ". والخطاب كان لقوم بني إسرائيل الموحدين الذين آمنوا مع سيدنا موسى، ودخلوا فلسطين.
- في سورة سبأ: "وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ".
- في سورة الإسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
في الآيات الأولى تحدثت عن البركة في الأرض المقدسة، دون توضيح سبب البركة، لكن في الآية الأخيرة ذكرت السبب، وهو وجود المسجد الأقصى، فهو سبب البركة له ولما حوله، فمكة مباركة بحدودها، والمدينة مباركة بحدودها، أما المسجد الأقصى مبارك بحدوده وبغلافه، وهو الوحيد على وجه الأرض، الذي يمتاز بهذه الميزة. فالبركة تعم المسجد الأقصى وتعم ما يدور حوله من بركةٍ في الطقس، والطعام، والبشر، والعلم، والعلماء، والوقت، وغيرها الكثير من مظاهر البركة، والرسول الكريم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم وفي رواية "لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ" إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال:"ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
الحديث عن ورثة الأرض
قال الله في سورة الأنبياء: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ".
الذِكر: هو التوراة، وهناك قصة يرددها اليهود اليوم بأحقيتهم بالبيت المقدس، وهي من التوراة الحديثة، أنه "حصل صراع بين يعقوب والرب، فصرع يعقوب الرب أي هزمه، فقال الرب ليعقوب لا تخبر أحد عن ذلك، فقال يعقوب لا أخبرهم بشرط، أن تكتب لي بيت المقدس، فقال له هي لك"، فهذا يؤكد أن التوراة ليست من عند الله، فكيف الله يخبره بأن لا يخبر أحد، وهو ينشر هذه الحادثة في التوراة، ونلاحظ أن الله قال عبادي الصالحون، وليس العرب، أو بني إسرائيل أو غيره، بل الصالح الذي يحمي المسجد الأقصى، ويعمر الأرض.
بقلم:
د. نذير الصالحي
أ. لبنى معوض
مواضيع ذات صلة
