من سَكن فلسطين؟

تاريخ

10/25/20222 دقيقة قراءة

مختصر التسلسل الزمني لسكّان فلسطين من العصر الحجري حتى العصر الحديث

النطوفيون، الكنعانيون، العماليق (يقال أنهم من فروع الكنعانيين)، اليبوسيون (يقال أنهم من فروع الكنعانيين بنوا مدينة القدس وسكنوها)، الجرجاشيون (قوم من الكنعانيين سكنوا جبال القدس)، الفينيقيون (كنعانيون سكنوا سواحل بلاد الشام ولهم حضارة معروفة)، الرفائيون (قوم من الكنعانيين سكنوا منطقة باشان في الأردن)، الآراميون، العموريون، الخابيرو (شعب وُصف بالسلب والنهب وغزو الشعوب المتحضرة وقد شكل تهديداً لأهل فلسطين فطلب عبد خيبا ملك القدس المساعدة من ملك مصر لطردهم)، المصريون، الهكسوس، (وبعض الرويات تقول أن الهكسوس أصولهم مصرية، والبعض يقول أن أصولهم من شمال الشام)، الفرزيون، الحثيون، الحوريون، شعوب البحر قبائل "البلست" (ونسبة لهم تحول اسم الأرض من أرض كنعان إلى أرض فلسطين)، الأدوميون (سكنوا جنوب البحر الميت وقيل في منطقة سعير في الخليل)، المؤابيون، المدينيون (نسبة إلى مدين)، بنو إسرائيل (أبناء يعقوب عليهم السلام)، وكان لهم تواجد قبل ذلك، لكن لم يستمروا كثيرا، ثم هاجروا لمصر، آرام معكة (مملكة شرق بحيرة الحولة)، اليطوريون (سكنوا بين اللجاة والجليل)، الأشوريون، قبيلة قيدار العربية، قبيلة تنوخ، قبيلة الضجاعمة، قبيلة عاملة (سكنوا قرب طبرية)، قبيلة كلب، الغساسنة، البابليون، الفرس، الأخمينيون، المقدونيون، البطالمة، اليونان، السلوقيون، الرومان، البيزنطيون، وكانت ديانتهم الرسمية المسيحية، المسلمون "الفتح العمري"، الصليبيون، الأيوبيون، "نسبة لصلاح الدين الأيوبي"، المماليك، العثمانيون، البريطانيون، ثم سلّموها للكيان المحتل الإسرائيلي.

عندما نريد معرفة تاريخ أي منطقة، يجب الاستدلال على ذلك من خلال عدة مصادر للتاريخ، مثل علم الآثار، والأحافير، والأعمال الأدبية، والكُتب الدينية، وأحاديث الرُسل، وقصص التابعيين، والمؤرخين الثقات، وغيرهم. والأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها، ومن لم يفهم تاريخه، لا يدرك حاضره، فمعرفة التاريخ يجعلنا ندرك الأحداث وأسبابها، فإذا اُستخدمت نفس الأسباب، فستقع نفس النتائج، سواء أكانت هذه النتائج سلبية أم ايجابية، فالتاريخ يُعيد نفسه، وهذه سُنن الله في الكون.

بدايةً...

العصر الحجري القديم:

ما بين سنة 14000- 8000 ألف قبل الميلاد: يعود أقدم وجود إنساني في فلسطين إلى النطوفيين، وفي التاريخ الإسلامي، فإنه أول وجود على هذه الأرض يعود للمسلمين، ونستدل على ذلك من حديث أبي ذر: أنه قال: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وضعَ في الأرضِ أولَ؟

قال: المسجدُ الحرامُ، قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: المسجدُ الأقصى، قلتُ: كم بينهما؟ قال: أربعون سنةً، ثم حيثُما أدركتْكَ الصلاةُ فصلِّ، فهو مسجدٌ".

فإذا حسب الاعتقاد الإسلامي، أول تواجد للبشرية هو آدم ﷺ، وهو من وضع أساس المسجد الحرام، وبعد 40 سنة، وُضِع أساس المسجد الأقصى، فهذا يؤكد على أنّ المسلمين هم أول من سكن فلسطين.

العصر الحجري الحديث تقريبا 7000 سنة قبل الميلاد، (أي عصر ما قبل القراءة والكتابة):

هاجر الكنعانيون من الجزيرة العربية إلى فلسطين، ويقال أنهم أقدم من أنشأ حضارة في فلسطين، وجاء منهم الأموريون أو العموريون، واليبوسيون، والفينيقيون، فانقسمت هذه القبائل العربية في فلسطين إلى أقسام: الكنعانيون، حيث سكنوا سهول فلسطين، واليبوسيون استقروا في منطقة القدس، والعمورييون أو الأموريون: سكنوا في الجبال، والفينيقيون، سكنوا الشمال ولبنان، وهم أول من وضع الأبجدية في العالم (اخترعوا الكتابة)، وأقدم مدينة أُنشأت في ذلك الوقت هي "أريحا" تقريبا في سنة 8000 قبل الميلاد. وكان اسم الأرض "أرض كنعان" لأنها أكبر قبيلة عربية سكنت هناك، وأنشأ الكنعانيون، عدة مدن في فلسطين منها: "جنين، عكا، أريحا، حيفا، عسقلان، بئر السبع، بيسان، اسدود، بيت لحم، الخليل، نابلس".

وكل هذا حدث قبل وجود بني إسرائيل، حيث ذُكر في التوراة لفظ "كنعان" 83 مرة، وفي الإنجيل 3 مرات. ففي التوراة في سفر الخروج: 13: 5: "ويكون متى ادخلك الرب أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين والحويين واليبوسيين التي حلف لآبائك أن يعطيك أرضا تفيض لبنا وعسلا أنك تصنع هذه الخدمة في هذا الشهر"، وفي سفر الخروج 34: 11: "احفظ ما أنا موصيك اليوم.ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين". ومن سفر يشوع 24: 11: "ثم عبرتم الأردن واتيتم إلى أريحا فحاربكم أصحاب أريحا الأموريون والفرزيون والكنعانيون والحثيون والجرجاشيون والحويون واليبوسيون فدفعتهم بيدكم"، "وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم" سفر يشوع 15: 63 .

انتقال سيدنا إبراهيم:

حيث كان يسكن في العراق في منطقة أور مع ابن أخيه سيدنا لوط، لكنّ الله أمرهما بالذهاب إلى أرض كنعان في سنة ما يقارب 1900 قبل الميلاد، وفي سورة الأنبياء:

"وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" فذهب لوط ﷺ إلى شرق نهر الأردن، وذهب سيدنا إبراهيم إلى فلسطين، وكان سيدنا إبراهيم متزوج من سارة وهاجر، هاجر أنجبت له سيدنا إسماعيل، وأمره الله أن يهاجر معهم إلى مكة، ثم تركهم هناك، وعاد إلى أرض كنعان، فأنجبت سارة في كنعان سيدنا إسحاق، وقال الله في سورة إبراهيم: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ". وفي سفر التكوين 2:21 "فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لإِبْرَاهِيمَ ابْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللهُ عَنْهُ. 3 وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ابْنِهِ الْمَوْلُودِ لَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحَاقَ». 4 وَخَتَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ." وفي سفر التكوين 23: 2 "وماتت سارة في قرية أربع، التي هي حبرون (أي خليل الآن)، في أرض كنعان. فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكي عليها."، فمن أسماء مدينة الخليل، "مدينة إبراهيم"، و"حبرون"؛ ويُقال، سُمِّيت حبرون، أي عبرون، نسبة للعابر سيدنا إبراهيم ﷺ لأنه عبر نهر الأردن متجها لبيت المقدس، لذلك يُقال، "العبرانيون".

بني إسرائيل:

من نسل إسحاق ﷺ جاء العبرانيون "بني إسرائيل"، وقال الله في سورة هود:

"وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ"

فمن النبي إسحاق ﷺ جاء النبي يعقوب ﷺ، ومن سلالته جاء بنو إسرائيل وسكنوا هناك، لكنهم لم يمكثوا في أرض كنعان كثيرا، حتى هاجروا مع سيدنا يعقوب إلى مصر، عندما كان يوسف ﷺ عزيز مصر، فاستقروا في مصر.

ومن هنا يظهر أنّ سلالة سيدنا إبراهيم ﷺ كانوا مهاجرين لفلسطين ثم غادروها إلى مصر، كما جاء في التوراة، "وتغرَّب إبراهيمُ في أرضِ الفلسطينيين أيامًا كثيرةً" سفر التكوين 21: 34، "وسكنَ يعقوبُ في غربةِ أبيه إسحاق في أرضِ كنعان" سفر التكوين 37: 1، أي في أرض غريبة عنه وهي أرض كنعان، نسبة للكنعانيين "العرب"، سُكان الأرض الأصليين، وقد أجمع المؤرخون العرب والغربيون على هذا الأمر. وهذا أيضا يُثبت أنّ بني إسرائيل لم يكونوا في البداية يهود، فسيدنا إبراهيم وذريته كانوا مسلمين، كما جاء في سورة آل عمران:

"مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

أما الديانة اليهودية جاءت مع سيدنا موسى ﷺ، أي بعد آلاف السنين.

الهكسوس:

في ذلك الوقت كان الهكسوس يسكنون بعض المناطق في فلسطين وفي مصر، وتأثّروا بعد ذلك بديانة يعقوب ﷺ وهي الديانية التوحيدية.

البلست:

بعد ذلك جاءت قبائل بحرية اسمها "بلست"، التي اندمجت مع الكنعانيين، وكان لهم أثر في بناء الحضارة في ذلك الوقت، ويُقال أن اسم فلسطين اُشتق من اسم هذه القبائل.

عودة بني إسرائيل من مصر:

بعد سنوات من مكوث بني إسرائيل في مصر، أمر الله موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل بالهجرة إلى أرض كنعان، ليُحرروا البيت المقدس من العماليق، الذين ذُكروا في القرآن بالقوم الجبارين؛ وهم اليابوسيون، والكنعانيون، وصحيح أنهم كانوا على الديانة الإبراهيمية، وهي ديانة التوحيد، لكن مع دخول الحضارات المتنوعة، وخاصة حضارات الشمال "الحضارات الوثنية"، تغيّر دينهم وأصبحوا يعبدون الأصنام، فلذلك طلب الله من أهل التوحيد المسلمين في ذلك الوقت، وهم بني إسرائيل أن يدخلوا المسجد الأقصى مهد الديانات السماوية، لكنهم لم يؤدي الوظيفة المطلوب منهم، لذلك لم يستحقوها.

إضافة إلى أن المصريين كانوا يعاملون بعض من بني إسرائيل الموحديين بشكل سيء كالعبيد، حتى وصل الأمر إلى أن فرعون مصر أمر بقتل أولادهم الذكور، فبعث الله موسى ﷺ ليَخرج ببني إسرائيل من مصر مُتجِهًا إلى فلسطين. وخلال هذا المسير شقّ الله لهم البحر، ونجّاهم من سُلطان فرعون، وبعد ما خرجوا من مصر، ورأوا بأم أعينهم ماذا حدث لفرعون من الغرق والانتقام الرباني لكل معتد، وتأييد الله لموسى ﷺ، بالمعجزات والآيات، إلّا أنهم رفضوا أن يُكملوا الطريق مع سيدنا موسى، وأرادوا أن يبقوا في سيناء، وفي سيناء مروا على قوم يعبدون الأصنام، فطلبوا من موسى أنْ يجعل لهم آلهة كما لهؤلاء. وقال الله في سورة الأعراف:

"وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ* قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ* وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ".

وقد وردت حادثة عبادة العجل في التوراة بما يسمونه بحادثة العجل الذهبي، في سفر الخروج 7:32 "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: "اذْهَبِ انْزِلْ. لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ* زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا، وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ"، وذكر ذلك أيضا في الإنجيل، في سفر أعمال الرسل41:7: "فَعَمِلُوا عِجْلاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ".

بل وطلبوا منه أن يروا الله أمامهم، فقال الله في سورة النساء:

"يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا* وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا* فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا".

وكما نرى أن الله قد أخذ عليهم عهدا أن لا يعتدوا في يوم السبت، والتوراة اليوم تؤكد على ذلك، ففي سفر الخروج 31: 14"فَتَحْفَظُونَ السَّبْتَ لأَنَّهُ مُقَدَّسٌ لَكُمْ. مَنْ دَنَّسَهُ يُقْتَلُ قَتْلًا. إِنَّ كُلَّ مَنْ صَنَعَ فِيهِ عَمَلًا تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهَا"، بمعنى أنه يُحرّم على المؤمن اليهود أن يبذل أي جهد في يوم السبت، فما بالكم بالقتال والاعتداءات التي يقومون بها اليوم مع الشعب الفلسطيني طيلة أيام الأسبوع.

بعد ذلك ذهب موسى ﷺ إلى جبل الطور ليناجي ربه، فرجع إليهم بالوصايا العشر، وهي جزء من التوراة المحرّفة الآن، فرجع فوجدهم يعبدون العجل، فارتفع جبل الطور فوق رؤوسهم كالسحابة، فعندها، قالوا سمعنا وأطعنا وهم مترددون، ثم تابعوا مسيرهم إلى فلسطين، ولما أُمروا أنْ يدخلوا القدس قالوا لموسى: في سورة المائدة:

"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ* يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ* قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ* قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ* قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ".

فرد عليهم موسى في سورة الصف:

"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".

فقد عانى النبي موسى ﷺ، كثيرا منهم، فطلب من الله أن يفرقه هو وأخيه هارون عنهم، فهما لا ينتميان لجحود بني إسرائيل.

فبني إسرائيل كانوا من أسوء الشعوب التي مرّت على الأنبياء، فهم يرون المعجزات تِلوَ المعجزات ويرفضون أن يطيعوا وأن يستسلموا لأمر الله، فجاء عقاب الله لهم التيه في سيناء لمدة 40 سنة، وأثناء ذلك حصلت قصة البقرة ورأوا المعجزات، وتوفي هارون خلال تلك المدة ومن بعده موسى، الذي دعا الله: "رَبِّ أَمِتْنِي مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، رَمْيَةً بحَجَرٍ، قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ:

وَاللَّهِ لو أَنِّي عِنْدَهُ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ"

فقبض ملك الموت روحه على بعد مرمى حجر من بيت المقدس عند كثيب أحمر، من أجل رغبته. [1]

وضربت عليهم الذلة، ولم يستحقوا التمكين في الأرض لأنهم عصوا أمر الله، وقتلوا الأنبياء. فقال الله في سورة آل عمران:

"ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ".

فحرّم الله تعالى على بني إسرائيل شرف الجهاد والتمكين، والوصول إلى الأرض المقدسة والتمتع بخيراتها، فكتب الله عليهم التيه في سيناء، وهذا ما حدث ويحدث في أراضي المسلمين الآن، حيث أن بعض المسلمين عبدوا، ومازالوا يعبدون المال، والسلطة، والأفراد، ويتكالبون على الحياة الدنيا، ويألفون الحرام، حتى حُرِموا ميزة التمكين في الأرض، وأصبحت الأمم لا تهابهم، ولا تقدر قيمتهم، وسُلبت القوى الاقتصادية، والتكنولوجية، والسياسية...إلخ منهم. فالأراضي المقدسة محرّمة على كل متخاذل عن طاعة الله.

وإن الشعوب التي تعيش تحت الأنظمة الاستبدادية وحكم الدكتاتورية، تعجز عن حمل الرسالة والقيم الإنسانية الرفيعة، والدعوة إليها، والجهاد في سبيل الله، والمتمثلة في دعوة الأنبياء والمرسلين إلى وحدانية الله والإيمان به، وطاعته، وتبليغ رسالته في كل مكان. فالجيل الذي خرج مع موسى كان قد تربى على الذل والخنوع في عهد فرعون، فقال فرعون في سورة غافر:

"قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"[2]

 مثلما تقوم به كثير من وسائل الإعلام الآن التي تتحكم فيها بعض الدول والحكام، فيعرضون للناس في الإعلام ما يريدون، حتى يبقى الناس في جهل تام، ويتحقق كي للوعي الجمعي، وتسطيح للشعوب، فلا تعد قادرة على المطالبة بحقوقهم، وتبقى الشعوب سلعة بأيدهم.

وقال فرعون أيضا في سورة الشعراء:

"قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ"

وهذا بالضبط ما يفعله كثير من حكام الدول، إذا عبّرت عن رأيك سجنتك، وإذا دعوت الله صدقا أعدمتك، فالتاريخ يعيد نفسه، وما هؤلاء الحكام إلا فراعنة العصر، فقد جنى على نفسه من اتبعهم، وفلح عند الله من عارضهم. ومن ينادي بطاعة ولاة الأمر، نقول له نعم، لابد من طاعة أولي الأمر طالما هذه الطاعة لا تخرج عن طاعة الله ورسوله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

كل 40 سنة يتغير الجيل وهذا ما تنبأ به الشيخ أحمد ياسين، أنّ خلال عام 2027 سيكون الجيل هو جيل التحرير والله أعلم، لأن الأجيال التي قبل ذلك، كانت قد تربّت على الذل، والانكار، والخذلان، والخوف من الانتداب البريطاني، تلاه الاحتلال الإسرائيلي، لكن الجيل الذي يأتي وسيأتي سيكون قد تربّى على العزة والكرامة، وهذا ما يتعلمه هذه الجيل من المسلمين وغير المسلمين من العزة التي يُعلّمها الشعب الفلسطيني عامة، وأهل غزة خاصة من معاني العزة والكرامة والغلبة للفئة الصالحة، والنصرة للمؤمنين، لذلك هذا الجيل هو جيل تحرير، بإذن الله.

نحن نملك مدة هذا التيه إما نزيد من مدة ضياعنا وتيهنا، وإما نُقصّر المدة بزيادة الوعي، وتربية جيل جديد يجمع بين الحرية والكرامة، والقيم النبيلة ويكونوا خير عباد لله، حتى يُرزَق هذا الجيل التمكين والخلافة في الأرض، وهذا ما فعله سيدنا موسى ﷺ مع الجيل الجديد من بني إسرائيل، فكان يرى فيهم الأمل، وكان دائما يرافقه الفتى "يوشع بن نون"، ويُقال إنّه كان ابن أخت موسى، حيث قال الله في سورة الكهف: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ..."، فكان هذا الفتى هو الذي دخل فلسطين مع بني إسرائيل بقيادة الملك طالوت، فقادهم لقتال القوم الجبارين، وهزموا جالوت، ودخلوا الأرض المقدسة بعد معجزة "حبس الشمس" قال رسول ﷺ:

"إن الشمس لم تُحْبَسْ لبَشَرٍ إلا ليوشع لَيَاِلَي سافَرَ إلى بيت المقدس"

 ليتم النصر قبل الغروب ودخول يوم السبت الذي يُحرّم فيه العمل والقتال في شريعتهم.

ففي عهد القضاة، الذي استمر 150 سنة، كان لبني إسرائيل ممالك صغيرة، وحدود صغيرة، ثم تسلط عليهم العماليق وحكمهم "جالوت"، فأخذ منهم مقدساتهم وأموالهم، وأهمها التابوت الذي يحوي عصا موسى والألواح التي أنزلت عليه، فجاء بنو إسرائيل للنبي يوشع بن نون وطلبوا منه اختيار ملك يقاتلون بأمره، فبعث الله لهم "طالوت" ملكا فقاتلوا جالوت، وكان في جيشه "داود ﷺ" الذي قتل "جالوت"، وقاد بني إسرائيل من بعد ذلك. وذُكر ذلك في سورة البقرة:

"أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ*وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ*وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ*وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ*فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ* تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ"

وتحقق لهم التمكين والقوة في الأرض، لأنهم تحولوا من جيل الضياع والتيه إلى جيل جديد مؤمن بالله، كما قال موسى في سورة يونس:

"يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"

فشعب الله المخلصين دائما هم المسلمون الموحدون، فكان جوابهم في سورة يونس:

"فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين* ونجنا برحمتك من القوم الكافرين".

فإن حكمة التيه 40 سنة مقصودة، وإنها رحمة من الله لبني إسرائيل، فلم يهلكهم الله كما فعل بالأمم السابقة التي عصت الأنبياء والمرسلين، بل أنعم عليهم بالمن، والسلوى، فالله لا يريد أن ينهيهم بل يريد أن يربيهم، ويستخلص منهم الصالحين حتى يستحقوا التمكين في الأرض.

فها هي غزة استجابت لأمر الله فحاربوا من أجل الأرض المقدسة، وقدموا دمائهم، ولم يرضوا بذُل الاحتلال، وعبودية السلطات، فحسب السنن الكونية الإلهية، سيكون لأهل غزة وكل من يساهم معهم التمكين في الأرض. فبارك الله في غزة وبأهل غزة، وبكل من سلك طريقهم، فيكفي غزة شرفا، أنها محرّك الأمة الإسلامية في يومنا هذا للعودة إلى الله، واستعادة التمكين في الأرض.

أول دولة لبني إسرائيل:

أسس داود ﷺ لبني إسرائيل مملكة في القدس، وحكمهم ما يقارب الـ 30 سنة، حيث حكم فيها جزء من فلسطين حتى الساحل، ثم حكم النبي سليمان بن داود عليهما السلام، ودام حكمه ما يقارب الـ 40 سنة، حيث قام بتجديد بناء المسجد الأقصى القديم حسب المصادر الإسلامية، وكانت هذه المرحلة التي استمرت لما يقارب 70 سنة، أول مملكة لبني إسرائيل، والبعض يرجّح أن العلو الأول لبني إسرائيل بدأ من تلك المرحلة.

وهذا حدث بعد آلاف السنين من وصول الكنعانيين واليبوسيين إليها، وعاش بنو إسرائيل في مملكتهم الجديدة في بعض مناطق فلسطين، والبعض الآخر كان للكنعانيين.

أما في المصادر الإسرائيلية فيزعمون أن الملك سليمان قام ببناء "الهيكل"؛ أي مبنى الرب، بواسطة عدد كبير من الجنود والبنائيين، والذين عُرفوا فيما بعد بـ "الماسون" ومنهم جاء مصطلح "الماسونية" حسب زعمهم، ولا يوجد في كتبهم ذكر واضح لمكانه بالتحديد، إلا أن اليهود يعترفون أن الأرض التي بُنيت عليها الهيكل؛ قد أخذها الملك داود من اليبوسيين؛ أي العرب، وذُكر ذلك في سفر أخبار الأيام الأول 21: 18 "فَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ جَادَ أَنْ يَقُولَ لِدَاوُدَ أَنْ يَصْعَدَ دَاوُدُ لِيُقِيمَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ"، ويعتقد اليهود اليوم بأن أثاث الهيكل موجود أسفل المسجد الأقصى، لذلك يسعون لهدمه، لبناء الهيكل مرة أخرى.

وفي عام 1867م قامت أكثر من خمسين بعثة أثرية يهودية غربية بالحفريات تحت المسجد الأقصى في أكثر من عشرين موقع مختلف في فلسطين، بهدف البحث عن بقايا الهيكل المزعوم، أو ما يَدلُّ على صحة الأحداث التاريخية المذكورة في كتب اليهود المقدَّسة عن هذا الهيكل، ووصلت إلى اثنتين وعشرين طبقة أثرية، ومن ضمن الذين اشتغلوا في الحفريات أكثر من سبعين عالم آثار يهودي، غير علماء الآثار النصارى الغربيين، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل شديدة، حيث لم يجدوا أي آثار في القدس، ولا في محيط المسجد الأقصى، وقد انتبهت السلطات العثمانية إلى حقيقة هذه الحفريات، فأصدرت أوامرها بمنع إعطاء أية تصاريح من هذه النوعية.[3]

كان يُعد عهد النبي داود وسليمان بالعهد الذهبي لبني إسرائيل، فأول مرة يكون لهم دولة على الإطلاق، لأن قائد دولتهم كان نبيا، لكنهم عندما تخلّوا عن الله كُتبت عليهم الذلة، "لذلك يقولون لعنة "العقد الثامن"، فدولتهم تنهار قبل إكمال الـ 80 سنة، وهذا ما يحدث الآن.

رغم أن اليهود يعتبرون داود أنه لم يكن نبيا، بل كان ملكا فاسدا وزانيا، وسليمان أيضا كان ملكا فاسدا، ورغم ذلك يريدون استعادة هيكل سليمان المزعوم، ويقولون هذه نجمة داود، وغيرها، وقد ذُكر ذلك في التوراة في سفر صموئيل الثاني 27:11 فساد دواد وسليمان على حد وصفهم "و لما مضت المناحة أرسل داود و ضمها إلى بيته وصارت له امراة وولدت له ابنا و أما الامر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب" أي الزنا، وفي سفر الملوك 11: 1 "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موابيات وعمونيات وادوميات وصيدونيات وحثيات* من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني اسرائيل لا تدخلون اليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء الهتهم فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة* و كانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري فامالت نساؤه قلبه".

بينما المسلمين يرون داود وسليمان أنبياء الله المعصومين المطهرين، فقال الله في سورة النمل:

"وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ". "إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". "وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"

أي أن دينهم هو الإسلام. وفي سورة البقرة:

"وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا"

 وفي سورة ص:

"وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ"

أليس المسلمون أولى بداود وسليمان وآثارهم، من اليهود الذين يُكفِّرُونهم؟!

نهاية دولة بني إسرائيل:

في عهد النبي سليمان كان يوجد شياطين كافرين، لكن لم يكن لهم سيطرة، وبمجرد موت سيدنا سليمان ﷺ، اتبع كثير من بني إسرائيل الشياطين، الذين علّموهم السحر، وادعوا أنهم ملائكة وهم "هاروت وماروت"، ورغم أن هاروت وماروت كان يقولون لهم نحن فتنة فلا تكفروا، فهم كانوا ابتلاء لهم، رغم ذلك تعلّموا السحر منهم، وضلوا عن سبيل الأنبياء والصالحين، وذُكر ذلك في سورة البقرة:

"وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ "

فاستمر فسادهم وعلوهم لفترة من الزمن، وما لبثوا إلا وأن تشتتوا وانقسموا لأقسام كثيرة.

بعدها غزاهم "الآشوريون" من العراق، ومن بعدهم غزاهم "البابليون"، ولما أراد بني إسرائيل الثورة على حكمهم، توجه ملك البابليين المشهور "نبوخذ نصر" إلى القدس وحاصرها لعام ونصف، ثم كان له النصر بسبب ذنوب بني إسرائيل ومعاصيهم، فدخل نبوخذ نصر وأحرق دولتهم، ودمر "الهيكل المزعوم" ولم يُبقي منه حجرا على حجر، واقتاد منهم (40) ألفا كأسرى وسبايا لبابل. وهذا هو ما يُسمى بـ "السبي البابلي"، وبعد تدمير الهيكل جاء في التلمود أن النبي ارميا وجه كلامه إلى نبوخذ نصر والكلدانيين قائلا: "لا تظن أنك بقوتك وحدها استطعت أن تتغلب على شعب الله إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب". وبعض العلماء يرجّح أن الآية الكريمة في سورة الإسراء:

"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا"

يقصد به الفساد الأول لبني إسرائيل، حيث كانوا في علو، وفساد شديد فكانوا يتعاملون مع الشياطين ويمارسون السحر، ونبوخذ نصر ومن معه، هم من قضوا عليهم. والبعض الآخر يُرجّح أن الوعد الأول هو كان فسادهم في المدينة، وعبادا لنا هو الرسول الكريم والصحابة الكرام، لكن علينا أن نذكر أن فساد اليهود في فترة الرسول الكريم، لم يكن على مستوى عالي بحيث يتم وصفه بأنه علو، بل فساد محدود، والله أعلم.

وظل اليهود مستعبدين في بابل، حتى جاء الملك الفارسي "حورس الثاني" سنة 539 قبل الميلاد، فسيطر على مملكة بابل وضمها لحكمه، ثم سمح لبني إسرائيل بالذهاب إلى القدس، ولكنهم فضّلوا البقاء في بابل لأنهم وجدوا المال والترف، فهم دائما يعبدون المال في كل الأزمنة، حتى يومنا هذا، فنجد أنّ عدد اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يفوق عددهم في فلسطين[4]، فهم يستقرون حيث الحياة المترفة، فعندهم ولع بحب الدنيا، لذلك يسهُل هزيمتهم، إذا كنا عبادا لله صالحين.

الإسكندر المقدوني:

في تلك الفترة عاد بعض اليهود إلى القدس وقاموا ببناء "الهيكل الثاني"، وكان من تسامح الفرس معهم أنْ أعطوهم حكما ذاتيا في منطقة محددة بفلسطين، واستمر هذا الهدوء قرابة 200 سنة حتى جاء رجل من أعظم رجالات التاريخ وهو الإسكندر المقدوني، الذي يعتبره بعض المفسرين أنه ذو القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم. حيث قام الإسكندر بفتح فلسطين في إحدى حملاته الثلاث المشهورة، والتي فتح فيها من مشارق الأرض ومغاربها، وبقيت تحت حُكم اليونان أو الإغريق حتى وفاة الإسكندر، فانقسمت مملكتهم، فاستغل ذلك الأنباط العرب وضموا فلسطين إلى "مملكة البتراء"، وحكموها 100 سنة.

الإغريق:

ثم عادت جماعات من الإغريق السلوقيين وسيطروا على القدس من جديد، واضطهدوا اليهود وأجبروهم على عبادة زيوس كبير الآلهة عند الإغريق، فاستجاب أكثرهم وسُمّوا (اليهود الإغريقيون)، ورفض قسم آخر وتمسّكوا بدينهم وسُمّوا (المكابيون)، وهربوا من حُكم الإغريق لهم بقيادة (يهوذا المكابي)، وثاروا على حكمهم وانتصروا في عدة معارك. أصدر الإمبراطور الإغريقي قرارا بإيقاف اضطهادهم والسماح لهم بالعبادة، ودخلوا القدس وهم يشعلون أنوار الشموع، وسُمّي ذلك اليوم "عيد الأنوار"، واُشتهر في تاريخهم باسم "الحانوكا"، ومنه كان الشمعدان اليهودي أحد الشعارات الرئيسية مع النجمة السُداسية، ثم عيّن الإمبراطور الإغريقي حاكما يهوديّا على القدس اسمه (سيمون)، أقام مملكة، وتوسعت المملكة حتى البحر وبقيت تتبع الإغريق.

عيسى ﷺ:

في القدس عام 15 قبل الميلاد وُلِدت السيدة مريم عليها السلام، ونشأت تحت رعاية النبي زكريا ﷺ، الذي كان يُعد نبي اليهود، وفي عام 4 قبل الميلاد مات ملك اليهود "هيرودس"، وتمزقت المملكة بين أبناءه الثلاثة. وقبل ميلاد المسيح بثلاثة أشهر وُلد نبي الله يحيى عليه السلام، فقال الله في سورة آل عمران:

"فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ* هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ"

 ومع الأيام اشتهر يحيى ﷺ بين اليهود كونه ابن نبيهم زكريا وأطلقوا عليه اسم "يوحنا المعمدان"، والتعميد هو الغسل في النهر تطهيرا للذنوب.

كان اليهود ينظرون لسيدنا عيسى ﷺ نظرة ريبة ويتهمونه بالسحر، لأنه جاء من دون أب، فقال الله في سورة المائدة:

"إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ"

وفي سورة الصف:

"وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ".

حمل المسيح ﷺ الدعوة لليهود، وفي شريعته نزلت بعض التخفيفات عن بعض القيود التي كانت مفروضة في التوراة بسبب معاصيهم، فبدأ الناس يتبعون المسيح ويجتمعون حوله، فغضب اليهود وتآمروا على قتل المسيح، لكن الله نجّاه منهم ورفعه إليه وألقي شبهه على أحد الحواريين فقُتِل وصُلِب مكانه، فقال الله في سورة آل عمران:

"إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"

وفي سورة النساء:

"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا"

 بعدها هرب الحواريون في الأرض ووصل بعضهم إلى روما بطرس، وقاموا بالدعوة إلى المسيحية بالسرّ، بسبب هذا التشتت ولاضطهاد اليهود بدأت تدخل الانحرافات في المسيحية.[5] وكان آخر مُلك لليهود في فلسطين، سنة 135 ميلادي، حيث بعدها انتشروا في كل بقاء العالم، إلى أوروبا، آسيا، روسيا، أمريكا، الجزيرة العربية، أفريقيا، وبعضهم بقوا في فلسطين. وعاشت فلسطين بهدوء لم تعشه في السابق، إلا ما كان من غزو ملكة تدمر"زنوبيا" لها الذي استمر لـ 3 سنين فقط.

المسيحية:

في عام 324 للميلاد اعتنق إمبراطور روما قسطنطين المسيحية، وذلك بعد دراسته للفلسفة والأديان والآلهة، ولكنه أدخل فيها الكثير من الانحرافات، وإليه تُرجع مُعظم التحريفات التي أصابت المسيحية، ثم إنه توسع وسيطر على الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، واعتنقت والدته المسيحية وزارت القدس فأمرت ببناء كنيسة القيامة في مكان صلب المسيح، واستمرت الأمور هكذا حتى جاء الإمبراطور جوليان الذي ارتد عن المسيحية واعتنق اليهودية، فاشتعل الصراع بين المسيحية واليهودية.

في عام 395 للميلاد انقسمت الإمبراطورية الرومانية من جديد إلى: الإمبراطورية الرومانية وعاصمتها روما في الغرب، وفي الشرق الإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، في تلك الفترة وقعت الكثير من الاضطرابات في فلسطين بين اليهود والبيزنطينين، ‏وذلك بسبب الفساد الذي كانوا يعيثون به، ففي عام 484م في عهد "زينو" ثار السامريون ونصّبوا ‏يوستوس ملكا عليهم، لكن في النهاية، ألحق بهم زينو هزيمة قاسية، واتخذ إجراءات قاسية ‏ضدهم، وبنى كنيسة فوق مذبحهم على قمة جبل جرزيم في مدينة نابلس.

إلاّ أنّهم عادوا بالثّورة على البيزنطيين عام 529م في عهد جستنيانس الأول، وكانت ‏ثورتهم هذه المرة بقيادة ملك يدعى يوليانوس إذ الحقوا أضرارا بالغة بالكنائس، وفي ‏منطقة القدس دمّروا الكنائس في عمواس اللّطرون حاليا، وبيت لحم؛ وقتلوا عددا كبيرا ‏منهم في أحيائهم، واستطاع أخيرا جستنيانس إخماد ثورتهم واستتب الأمن.

الفرس:

اجتاحت الفرس فلسطين بقيادة "كِسرى الثّاني" ملك الفرس، حيث تعرّضت مدينة القدس لحصار استمر لمدة 20 يوما، فقد ساعد يهود منطقة الجليل الفرس في احتلال فلسطين، بحيث يُقال أنّهم قد أمدّوا ‏الفرس بأكثر من 20 ألف جندي يهودي، ‏ويبدو أنّ البطريريك زكريا أراد أن يقبل بشروط الاستسلام ‏التي عُرضت عليه من قبل الفرس، إلاّ أنّ بعض سُكان المدينة أصرّوا على المقاومة، وأسفر ذلك ‏عن احتلال المدينة بقوة السلاح، وحرق عدد كبير من الكنائس والأديرة، وقتل الآلاف من السّكان ‏المسيحيين وقادتهم، على يد الفرس واليهود. ‏

الروم:

وبعد ذلك بوقت قصير، باشر البطريرك موديستوس ‏بترميم بعض الكنائس المهدّمة، وخاصة كنسية القبر المقدّس. إلا أنه وبعد مرور أربعة عشر ‏عاما استطاع الإمبراطور البيزنطي هرقل أن ينتصر على الفرس ‏في معركة حاسمة بالقرب من نينوى بالعراق، ويستعيد القدس. قال الله في سورة الروم:

"غُلِبَتِ‎ ‎الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ‏‎ ‎ فِي ‏بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ‎ ‎وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ".

وبعد هذا التاريخ قام هرقل بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس. وكان لابدّ له من ‏التعامل مع اليهود الذين قَتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس أنفسهم، فقام بقتل بعضهم ‏وطرد الآخرين منهم ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من ثلاثة أميال من القدس.

الإسراء والمعراج:

في عام 620م، ‏وقعت معجزة الإسراء والمعراج، قال الله في سورة الإسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي ‏بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ‎ ‎مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". لم يستمر الحكم البيزنطي لفلسطين طويلا،‏ حيث كان البيزنطيون أو ما يُعرف بالروم، يقتلون كل من يريد أن يدخل في الإسلام، وللحد من كبرياء هذه الدولة وتجاوزاتها، في سنة 629م بعث رسول الله زيد بن حارثة على رأس جيش من 3 آلاف مقاتل في معركة "مؤتة"، في منطقة الكرك، لمقاتلة الروم، لكن الروم كان عددهم كبير، فقُتل زيد في المعركة ومن ثم جعفر بن أبي طالب، وبعده عبد الله بن رواحة، فلما أخذ الراية خالد بن الوليد انسحب ورجاله من المعركة وعاد إلى المدينة. وففي سنة 632 ميلادي جهّز رسول الله ﷺ جيشا عظيما وأمَّر أسامة بن زيد بن حارثة، بأن يتوجه نحو البلقاء في الشام، بقصد إرهاب دولة الروم، وإعادة الثقة لقلوب العرب المقيمين على حدود تلك الدولة، وتم تنفيذ ذلك في عهد أبو بكر الصديق، لتنفيذ قول الرسول: "فأنفذوا بعث أسامة"، فانتصر المسلمين، وأُعيد لهم عزّهم.

المسلمون:

جهّز أبو بكر الصديق قبل وفاته جيوشا من المدينة المنورة بقيادة 4 قادة: يزيد بن أبي سفيان لدمشق، والوليد بن عقبه لوادي الأردن، وأبو عبيدة عامر بن الجراح لحمص، وعمر بن العاص لفلسطين، وأول معركة كانت في غزة، في دير بلح، معركة "دائن"، وثاني معركة كانت "اجنادين" في جنوب غرب القدس، واستمرت لسنتين قبل المعركة الفاصلة، وهي معركة "اليرموك" قرب مدينة الرملة، حيث أرسل عمر بن الخطاب عام 15 هجري/636 ميلادي 13 رمضان أبي عبيدة عامر بن الجراح بجيش لفتح القدس، فحاصرها المسلمون لأربعة أشهر بقتال، ولما أصاب أهلها الضنك والجوع، استسلموا ولكن اشترط البطريريك صفرونيوس تسليم مفاتيح المدينة إلى الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه، لأنه قد ذُكر في التوراة صفات الفاتح، وكانت لا تنتطبق على أبو عبيدة، لذلك طلبوا بالخليفة عمر، لأنه تنطبق عليه صفات الفاتح، ومع ذلك لم يدخلوا الإسلام.

فدخل عمر ووراءه جمع من المسلمين يكبرون ويهللون، فسميّ الجبل الذي وقفوا عليه جبل المكبر، وبذلك كان هذا الفتح الإسلامي الأول للقدس. وبعد ذلك تبدأ صفحة مجيدة من تاريخ القدس الشريف بدخول العرب والمسلمين إليها ‏ونشر الدين الإسلامي فيها، الذي أصبح فيما بعد وحتى الوقت الحاضر ثقافة، ودين الغالبية ‏العظمى من سكان فلسطين.[6]

وصفت المصادر النصرانية حول دخول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس، حيث قال مؤلفا كتاب (تاريخ القدس ودليلها) وهما نصرانيان، نقلاه بدورهما عن كتاب للآباء الفرنسيسكان وهم من أكثر الفئات تعصبا للنصارى، فقد ذكرا بأن عمر بن الخطاب عندما قدم إلى القدس: "استطلع أبا عبيدة على ما كان من أمر القتال، فقص عليه أبو عبيدة تفصيلا لما جرى، وما أصاب المسلمين وأهل القدس من الضيق والشدة، فبكى عمر، وأمر فورا بأن يبلغوا البطريرك قدومه، ففعل أبو عبيده ما أمره به الخليفة. وعند ذلك خرج صفرونيوس ومعه الرهبان والصلبان ووجوه النصارى، فلما انتهوا إليه، خف للقائهم، وقد حياهم بالسلام، واقتبلهم بمزيد من الاحتفاء والإكرام. وبعد أن تجاذب والبطريق أطراف الحديث، في شأن المعاهدة والتسليم، أخذ قرطاسا وكتب لهم وثيقة أمانهم كما طلبوا."[7] وكان نص العهدة العمرية:

"بسم الله الرحمن الرحيم"

هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم، وصلبانهم، وسقمها، وبريئها، وسائر ملتها، أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. كتب وحضر سنة خمس عشرة هجرية. شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان".[8]

وقد رفض عمر عند دخوله المدينة أن يُصلي في كنيسة القيامة وصلى على مقربة منها، وعندما فرغ من صلاته قال للبطريرك: أيها الشيخ لو أنني أقمت الصلاة في كنيسة القيامة، لوضع المسلمون عليها أيديهم في حجة إقامة الصلاة فيها، وأني لآبى أن أمهد السبيل لحرمانكم منها، وأنتم بها أحق وأولى"[9]. وطلب النصارى من عمر بن الخطاب، أن لا يسكنوا مع اليهود، فكتب عمر بن الخطاب ذلك في العهدة العمرية. اهتم الخليفة عمر بن الخطاب بالمسجد الاقصى وبدأ بتنظيفه مع الصحابة، لأنه في فترة الرومان والبيزنطينين كان المكان مهملا ومتسخا، فأحياه من جديد، وأقام فيه أول صلاة للمسلمين.

العصر الأموي:

بعد انتهاء العهد الراشدي 40هـ/661م، جاء العهد الأموي، حيث قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتجديد بنائه، وتوسعته، ثم أكمله ابنه الوليد بن عبد الملك، وفي سنة 747م أي أواخر العصر الأموي، تهدّم المسجد الأقصى في زلزال، وانتهى العهد الأموي سنة 132هـ/750.

العصر العباسي:

ثم جاء العهد العباسي، فأعاد بناءه الخليفة العباسي المنصور سنة 756م، ثم تعرض لزلزال آخر في سنة 774م، فأمر الخليفة المهدي العباسي بإعادة بنائه، وأصبح المسجد على صورته وحجمه الحالي، ثم تعرض لزلزال آخر، فأمر المأمون العباسي بإعادة بنائه في سنة 1033 ميلادي، ثم انتهى العهد العباسي سنة 861هـ/ 1258م.

عصر الفاطميين:

خلال تلك المرحلة كان هناك عدة سلطات تحكم البلاد العربية والإسلامية، منها الأدارسة في المغرب، سنة 172هـ/789م، والطولونيون في مصر وسوريا سنة 254هـ/868م، والحمدانيون في سوريا والجزيرة العربية 293هـ/905م، والفاطميون في شمال أفريقيا ومصر 297هـ/909م. وفي زمن الدولة الفاطمية أُعيد بناء المسجد الأقصى على يد الخليفة الفاطمي الظاهر، لإعزاز دين الله.

كان في تلك الفترة يحكم العالم الإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما، والإمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية، والآن اسمها اسطنبول. والخلافة العباسية في بغداد، وتحتها 32 بلد، والخلافة الأموية في الأندلس، والخلافة الفاطفية الشيعية في القاهرة، وكانت فلسطين تابعة سياسيا لمصر، وكان هذا متزامنا مع تواجد الحملات أو الحروب الصليبية.

الحروب الصليبية:

الحروب الصليبية كانت حروب دينية، عسكرية بهدف التوسع والسيطرة. وكانت تتألف من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وكانت ديناتهم المسيحية، ويلبسون الصليب، لذلك يُقال هذا سبب تسميتهم بالصليبيين. وكانت الحملات الصليبية تنقسم لـ"رجال الدين": الذين يهدفون إلى أن يتخلّصوا من النبلاء، والحصول على السُلطة، و"النبلاء": وهم السياسيون الذين يبحثون عن النفوذ، و"الاقناء": الذين يسعون للخلاص من الفقر.

بدأت بعد ذلك الحملات الصليبية عام 1095 ميلادي، التي لم يكن هدفها الوحيد بيت المقدس، بل أيضا كانوا يسعون للتوسع، ولتحقيق أهداف آخرى، منها؛ البحث عن المجال الحيوي، في أوروبا، آسيا، أفريقيا، لأنها في منتصف العالم، وعادة الأهمية السياسية، تتمركز في المناطق التي تقع في الوسط، أما المناطق الهامشية التي تقع في الأطراف، تعد مناطق غير حيوية، وغير مطموع بها.

وكانت أهم الحملات الصليبية، هي حملة سنة 1099 ميلاد، حيث كان المسلمين في أضعف مراحلهم، وأدى ذلك لدخولهم بيت المقدس، وتخريب أجزاء كبير من المسجد الأقصى، وقتل أكثر من 70 ألف شخص من المسلمين، والمسيحين الشرقيين، واليهود في حرم المسجد الأقصى، وأطلقوا على المسجد الاقصى اسم معبد سليمان، واستخدموه أولاً كقصر ملكي واسطبلات للخيول، ولكن في سنة 1119م، تم تحويله إلى مقر لفرسان الهيكل، وخضع المسجد لتغييرات هيكلية وعمرانية.

صلاح الدين:

كان في تلك الفترة الموحدون في شمال أفريقيا 524هـ/1130م، والأيوبيون 564هـ/1169م في المشرق، وكان صلاح الدين، المؤسس الحقيقي للأسرة الأيوبية الحاكمة، حيث قضى على الفاطميين، ثم ورث دولة الأتابكة، واستعاد الحُكم السني على الشام ومصر، ووحد المسلمين في حروبه مع الصليبيين، وانتصر عليهم في معركة حطين في سنة 583 هـ/ 1187ميلادي، وكانت هذه المعركة بداية النهاية للصليبيين، وبعد وفاة صلاح الدين توزعت مملكته بين أفراد أسرته، ودبت الخلافات بين الأمراء الأيوبيين، وتوافقت هذه الخلافات مع حملة صليبية بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وكان الملك الصالح، آخر ملك أيوبي يحتضر، ومات في أثناء المعركة.

المماليك:

فأخذ القادة المماليك زمام المبادرة بالتنسيق مع زوجة الملك الصالح شجرة الدر، وورثوا دولة الأيوبيين، وبدأت دولة المماليك في سنة 648هـ/1250م، وخلال تلك الفترة كان هناك المرينيون والوطاسيون في المغرب 592هـ/1196م، والحفصيون في تونس 625هـ/1228م.

وكان من أبرز سلاطين المماليك، وأطولهم حكما، وأكثرهم إنجازا على الصعيدين العسكري الخارجي، والإصلاحي الداخلي، الظاهر بيبرس، الذي شارك في معركة المنصورة لطرد الصليبيين، بالإضافة إلى أنه كان القائد العسكري للجيش المملوكي في معركة عين جالوت، وشارك في معركة أبلستين، حيث وجّه ضربة ساحقة للجيش المغولي.

العثمانيون:

ثم جاء العهد العثماني في سنة 680هـ/،1281الذي ضم البلاد العربية وبعض البلاد الأوروبية تحت حُكمه، واستمرت الخلافة العثمانية إلى سنة 1924م وفيها ألغيت الخلافة وأقيم بدلا عنها النظام الجمهوري العلماني. وكان آخر السلاطين العثمانيين هو السلطان عبد المجيد الثاني، حين خاضت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى، ثم الحرب العالمية الثانية، التي على اثرها انهارت الإمبراطورية العثمانية، وبالتالي تقسّمت تركتها بين الدول المنتصرة في الحرب.

الانتداب البريطاني:

بعد الحروب العالمية، احتلت بريطانيا بعض الدول العربية ومن ضمنها فلسطين، ثم سلّمت فلسطين للاحتلال الإسرائيلي، تحت مبدأ أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وإبرام وعد بلفور، "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، فتحقق الفساد والعلو الثاني لإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت والفلسطينيون يحاول استراجاع أراضيهم، وسيسترجعونها بإذن الله، فهذا وعد من الله، فقال الله في سورة الإسراء:

"ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا* إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".

يرى العالم الآن كيف أن أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى وراء الدعم الأساسي لعدة حروب في العالم، وأهمها تقديم الدعم لدولة إسرائيل المحتلة، لكن جولة الباطل دائما قصيرة، مهما طالت في نظرنا، فعند مقارنة التاريخ العثماني الذي استمر أكثر من 400 سنة من الحكم الفعلي القوي، والسيطرة على أهم مناطق وبلاد العالم، بالمقابل أمريكا سيطرت على العالم بشكل فعلي ما يقارب الـ30 سنة، من السيطرة الحقيقية، ومع ذلك بدأت الآن بالانهيار، فهذا إن دلّ دل على أن أمريكا ليست القوة الخارقة التي لا تُهزم، بل اتضح كم أنها دولة لا تملك نظرة استراتيجية، مستقبلية، بل نظرة همجية جشعة رأسمالية.

وقفات على الفتح الصلاحي:

يُعد نور الدين زنكي المهندس الأول لطريق التحرير لصلاح الدين، فقد بنى نور الدين زينكي المنبر للمسجد الأقصى، قبل الفتح بـ 20 سنة، تمهيدا للفتح، واحتاج لـ 3 سنوات لبنائه، فهو أراد أن يُجسّد مشروع الفتح قبل حدوثه. وكان من أفضل الملوك المسلمين، لذلك كان يُقال لو أن هناك خليفة سادس للمسلمين فسيكون نور الدين. فالوضع الاقتصادي، والتعليمي، والصحي تحسّن في حياته، وكان الجيل في عهده مُغرما بالبيت المقدس.

إلا أن بعد وفاته تفرّق الناس، فجاء صلاح الدين الأيوبي، وقد كان متزوجا من "عصمة الدين خاتون؛ وهي زوجة نور الدين زنكي قبل أن يتوفى[10]. وكان صلاح الدين ذو شخصية عسكرية، شديدة، على خلاف نور الدين زينكي، فحاول صلاح الدين الأيوبي من بعده لأكثر من 12 سنة لاستعادة همم الناس، وتحقيق الفتح.

فعندما نتحدث عن فتح صلاح الدين لبيت المقدس، نحن لا نتحدث عن فتح وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تعب متراكم من قِبل محمود الدين زنكي، وولدِهِ نور الدين زنكي، ثم جاء صلاح الدين ليقطف ثمرة التحرير. فلا يوجد انتصار مبني على فرد واحد، أو على شخصية واحدة خارقة، كسوبر مان وباتمان، وغيره...، فالتحرير اليوم لا يقف على وجود شخصية كصلاح الدين الأيوبي، بل بوجود جيل كامل واعي، متّحِد، وجاهز للتحرير، وبعدها يلتقط الثمار شخصية واحدة، لكنها ليست هي سبب الانتصار الوحيد. فعندما يقص أحد الشخصيات البارزة شريط افتتاح مشروع ما، فيُقال هو من افتتح المشروع، لكن في الواقع هناك مجموعة كبيرة مُتحدة وقفت خلف هذا النجاح. فالتحرير يحتاج لتراكمية، ففي عُمر التاريخ ما يحدث الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما هو إلا تكرار لما حدث في فلسطين من قبل، لكنّ الغلبة والنصرة بإذن الله دائما تكون للمسلمين، الموحدين، الصالحين، فالتمكين والخلافة في الأرض تكون حليفهم بالنهاية، فجولة الباطل قصيرة.

[1] الراوي: أبو هريرة |المصدر: صحيح مسلم https://dorar.net/hadith/sharh/13597

[2] جيل التيه بين الماضي والحاضر - علي الصلابي https://t.ly/dLp5p

[3] علم الآثار يبطل دعوى اليهود بوجود الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى- الأستاذ الدكتور صالح الرقب.

[4] https://suwaidan.com/history-palestine/

[5] https://suwaidan.com/history-palestine/

[6] https://qudsinfo.com/faq-item/32353/

[7] https://shamela.ws/book/8851/11

[8] http://hrlibrary.umn.edu/arab/IS-8.html

[9] خليل طوطح وبولس شماده: تاريخ القدس ودليلها، ص9 - 23. انظر الآباء الفرنسيسكان: السير السليم من يافا إلى أورشليم القدس 1890م.

[10] عصمة الدين خاتون: https://t.ly/dGX1b?r=qr

مواضيع ذات صلة